دروس إحياء علوم الدين للإمام الغزالي من المسجد الأقصى المبارك / كتاب الحلال والحرام # 463

تقديم: Mustafa Abu Sway مصطفى أبو صوي
التاريخ: 2021-09-18
الوقت: 12:00
الموقع: Al-Aqsa Mosque المسجد الأقصى المبارك

مسألة سئل عن مال أوصى به للصوفية فمن الذي يجوز أن يصرف إليه فقلت التصوف أمر باطن لا يطلع عليه ولا يمكن ضبط الحكم بحقيقته بل بأمور ظاهرة يعول عليها أهل العرف في إطلاق اسم الصوفي و الضابط الكلى أن كل من هو بصفة إذا نزل في خانقاه الصوفية لم يكن نزوله فيها واختلاطه بهم منكرا عندهم فهو داخل في غمارهم و التفصيل أن يلاحظ فيه خمس صفات الصلاح و الفقر وزي الصوفية وان لا يكون مشتغلا بحرفة وأن يكون مخالطا لهم بطريق المساكنة في الخانقاه ثم بعض هذه الصفات مما يوجب زوالها زوال الاسم وبعضها ينجبر بالبعض فالفسق يمنع الاستحقاق لأن الصوفي بالجملة عبارة عن رجل من أهل الصلاح بصفة مخصوصة فالذي يظهر فسقه وإن كان على زيهم لا يستحق ما أوصى به للصوفية ولسنا نعتبر فيه الصغائر وأما الحرفة و الاشتغال بالكسب فإنه يمنع هذا الاستحقاق فالدهقان و العامل و التاجر و الصانع في حانوته أو داره و الأجير الذي يخدم بأجرة كل هؤلاء لا يستحقون ما أوصى به للصوفية ولا ينجبر هذا بالزي و المخالطة فأما الوراقة و الخياطة وما يقرب منهما مما يليق بالصوفية تعاطيها فإذا تعاطاها لا في حانوت ولا على جهة اكتساب وحرفة فذلك لا يمنع الاستحقاق وكان ذلك ينجبر بمساكنته إياهم مع بقية الصفات وأما القدرة على الحرف من غير مباشرة فلا تمنع وأما الوعظ و التدريس فلا ينافي اسم التصوف إذا وجدت بقية الخصال من الزي و المساكنة و الفقر إذ لا يتناقض أن يقال صوفي مقرئ وصوفي واعظ وصوفي عالم أو مدرس ويتناقض أن يقال صوفي تاجر وصوفي عامل وأما الفقر فإن زال بغنى مفرط ينسب الرجل إلى الثروة الظاهرة فلا يجوز معه أخذ وصية الصوفية وإن كان له مال ولا يفي دخله بخرجه لم يبطل حقه وكذا إذا كان له مال قاصر عن وجوب الزكاة وان لم يكن له خرج وهذه أمور لا دليل لها إلا العادات وأما المخالطة لهم ومساكنتهم فلها أثر ولكن من لا يخالطهم وهو في داره أو في مسجد على زيهم ومتخلق بأخلاقهم فهو شريك في سهمهم وكأن ترك المخالطة يجبرها ملازمة الزي فإن لم يكن على زيهم ووجد فيه بقية الصفات فلا يستحق إلا إذا كان مساكنا لهم في الرباط فينسحب عليه حكمهم بالتبعية فالمخالطة و الزي ينوب كل واحد منهما عن الآخر و الفقيه الذي ليس على زيهم هذا حكمه فإن كان خارجا لم يعد صوفيا وان كان ساكنا معهم ووجدت بقية الصفات لم يبعد أن ينسحب بالتبعية عليه حكمهم وأما لبس المرقعة من يد شيخ من مشايخهم فلا يشترط ذلك في الاستحقاق وعدمه لا يضره مع وجود الشرائط المذكورة وأما المتأهل المتردد بين الرباط و المسكن فلا يخرج بذلك عن جملتهم