دروس إحياء علوم الدين للإمام الغزالي من المسجد الأقصى المبارك / كتاب ترتيب الأوراد وتفصيل احياء الليل # AC319

تقديم: Mustafa Abu Sway مصطفى أبو صوي
التاريخ: 2021-01-31
الوقت: 11:00
الموقع: Al-Aqsa Mosque المسجد الأقصى المبارك

وأما الميسرات الباطنة فأربعة أمور

الأول سلامة القلب عن الحقد على المسلمين وعن البدع وعن فضول هموم الدنيا فالمستغرق الهم بتدبير الدنيا لا يتيسر له القيام وإن قام فلا يتفكر في صلاته إلا في مهماته ولا يجول إلا في وساوسه وفي مثل ذلك يقال يخبرني البواب أنك نائم وأنت إذا استيقظت أيضا فنائم

الثاني خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل فإنه إذا تفكر في أهوال الآخرة ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره كما قال طاوس إن ذكر جهنم طير نوم العابدين وكما حكى أن غلاما بالبصرة اسمه صهيب كان يقوم الليل كله فقالت له سيدته إن قيامك بالليل يضر بعملك بالنهار فقال إن صهيبا إذا ذكر النار لا يأتيه النوم وقيل لغلام آخر وهو يقوم كل الليل فقال إذا ذكرت النار اشتد خوفي وإذا ذكرت الجنة اشتد شوقي فلا أقدر أن أنام وقال ذو النون المصري رحمه الله منع القرآن بوعده ووعيده مقل العيون بليلها أن تهجعا فهموا عن الملك الجليل كلامه فرقابهم ذلت إليه تخضعا وأنشدوا أيضا يا طويل الرقاد والغفلات كثرة النوم تورث الحسرات إن في القبر إن نزلت إليه لرقادا يطول بعد الممات ومهادا ممهدا لك فيه بذنوب عملت أو حسنات أأمنت البيات من ملك المو ت وكم نال آمنا ببيات وقال ابن المبارك إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع

الثالث أن يعرف فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار حتى يستحكم به رجاؤه وشوقه إلى ثوابه فيهيجه الشوق لطلب المزيد والرغبة في درجات الجنان كما حكى أن بعض الصالحين رجع من غزوته فمهدت امرأته فراشها وجلست تنتظره فدخل المسجد ولم يزل يصلي حتى أصبح فقالت له زوجته كنا ننتظرك مدة فلما قدمت صليت إلى الصبح قال والله إني كنت أتفكر في حوراء من حور الجنة طول الليل فنسيت الزوجة والمنزل فقمت طول ليلتي شوقا إليها

الرابع وهو أشرف البواعث الحب لله وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه وهو مطلع عليه مع مشاهدة ما يخطر بقلبه وأن تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه فإذا أحب الله تعالى أحب لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة فتحمله لذة المناجاة بالحبيب على طول القيام