دروس إحياء علوم الدين للإمام الغزالي من المسجد الأقصى المبارك / كتاب أسرار الحج # AC 231

تقديم: مصطفى أبو صوي Mustafa Abu Sway
التاريخ: 2020-09-30
الوقت: 12:00
الموقع: Jerusalem القدس

وأما دخول مكة فليتذكر عندها أنه قد انتهى إلى حرم الله تعالى آمنا وليرج عنده أن يأمن بدخوله من عقاب الله عز وجل وليخش أن لا يكون أهلا للقرب فيكون بدخوله الحرم خائبا ومستحقا للمقت وليكن رجاؤه في جميع الأوقات غالبا فالكرم عميم والرب رحيم وشرف البيت عظيم وحق الزائر مرعي وذمام المستجير اللائذ غير مضيع وأما وقوع البصر على البيت فينبغي أن يحضر عنده عظمة البيت في القلب ويقدر كأنه مشاهد لرب البيت لشدة تعظيمه إياه وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك الله النظر إلى بيته العظيم واشكر الله تعالى على تبليغه إياك هذه الرتبة وإلحاقه إياك بزمرة الوافدين عليه واذكر عند ذلك انصباب الناس في القيامة إلى جهة الجنة آملين لدخولها كافة ثم انقسامهم إلى مأذونين في الدخول ومصروفين انقسام الحاج إلى مقبولين ومردودين ولا تغفل عن تذكر أمور الآخرة في شيء مما تراه فإن كل أحوال الحاج دليل على أحوال الآخرة وأما الطواف بالبيت فاعلم أنه صلاة فأحضر في قلبك فيه من التعظيم والخوف والرجاء والمحبة ما فصلناه في كتاب الصلاة واعلم أنك بالطواف متشبه بالملائكة المقربين الحافين حول العرش الطائفين حوله ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت حتى لا تبتدىء الذكر إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدىء الطواف من البيت وتختم بالبيت واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبية وأن البيت مثال ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر وهي عالم الملكوت كما أن البدن مثال ظاهر في عالم الشهادة للقلب الذي لا يشاهد بالبصر وهو في عالم الغيب وأن عالم الملك والشهادة مدركة إلى عالم الغيب والملكوت لمن فتح الله له الباب وإلى هذه الموازنة وقعت الإشارة بأن البيت المعمور في السموات بإزاء الكعبة فإن طواف الملائكة به كطواف الإنس بهذا البيت ولما قصرت رتبة أكثر الخلق عن مثل ذلك الطواف أمروا بالتشبه بهم بحسب الإمكان ووعدوا بأن من تشبه بقوم فهو منهم حديث من تشبه بقوم فهو منهم